سورة النمل - تفسير تفسير الشوكاني

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النمل)


        


لما ذكر سبحانه أن المشركين في شكّ من البعث، وأنهم عمون عن النظر في دلائله أراد أن يبين غاية شبههم، وهي مجرّد استبعاد إحياء الأموات بعد صيرورتهم تراباً، فقال: {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ أَءِذَا كُنَّا تُرَاباً وَءَابَاؤُنَا أَءِنَّا لَمُخْرَجُونَ}. والعامل في {إذا} محذوف دلّ عليه {مخرجون} تقديره: أنبعث، أو نخرج إذا كنا، وإنما لم يعمل فيه مخرجون لتوسط همزة الاستفهام، وإنّ ولام الابتداء بينهما. قرأ أبو عمرو باستفهامين إلاّ أنه خفف الهمزة. وقرأ عاصم، وحمزة باستفهامين، إلاّ أنهما حققا الهمزتين. وقرأ نافع بهمزة. وقرأ ابن عامر وورش ويعقوب {أإذا} بهمزتين و{إننا} بنونين على الخبر، ورجح أبو عبيد قراءة نافع، وردّ على من جمع بين استفهامين؛ ومعنى الآية: أنهم استنكروا واستبعدوا أن يخرجوا من قبورهم أحياء بعد أن قد صاروا تراباً، ثم أكدوا ذلك الاستبعاد بما هو تكذيب للبعث، فقالوا: {لَقَدْ وُعِدْنَا هذا} يعنون: البعث {نَحْنُ وَءابَاؤُنَا مِن قَبْلُ} أي من قبل وعد محمد لنا، والجملة مستأنفة مسوقة لتقرير الإنكار مصدّرة بالقسم لزيادة التقرير {إِنَّ هَذَا} الوعد بالبعث {إِلاَّ أساطير الأولين} أحاديثهم وأكاذيبهم الملفقة، وقد تقدّم تحقيق معنى الأساطير في سورة المؤمنون.
ثم أوعدهم سبحانه على عدم قبول ما جاءت به الأنبياء من الإخبار بالبعث. فأمرهم بالنظر في أحوال الأمم السابقة المكذبة للأنبياء وما عوقبوا به، وكيف كانت عاقبتهم، فقال: {قُلْ سِيرُواْ فِي الارض فَاْنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عاقبة المكذبين} بما جاءت به الأنبياء من الإخبار بالبعث، ومعنى النظر هو: مشاهدة آثارهم بالبصر فإن في المشاهدة زيادة اعتبار. وقيل: المعنى: فانظروا بقلوبكم، وبصائركم كيف كان عاقبة المكذبين لرسلهم، والأوّل أولى لأمرهم بالسير في الأرض {وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} لما وقع منهم من الإصرار على الكفر {وَلاَ تَكُن فِي ضَيْقٍ} الضيق: الحرج، يقال: ضاق الشيء ضيقاً بالفتح، وضيقاً بالكسر قرئ بهما، وهما لغتان. قال ابن السكيت: يقال: في صدر فلان ضيق وضيق، وهو ما تضيق عنه الصدور.
وقد تقدّم تفسير هذه الآية في آخر سورة النحل {وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد} أي بالعذاب الذي تعدنا به {إِن كُنتُمْ صادقين} في ذلك.
{قُلْ عسى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم} يقال: ردفت الرجل، وأردفته: إذا ركبت خلفه، وردفه: إذا أتبعه، وجاء في أثره، والمعنى: قل يا محمد لهؤلاء الكفار عسى أن يكون هذا العذاب الذي به توعدون تبعكم، ولحقكم، فتكون اللام زائدة للتأكيد، أو بمعنى: اقترب لكم، ودنا لكم، فتكون غير زائدة. قال ابن شجرة: معنى ردف لكم: تبعكم، قال: ومنه ردف المرأة؛ لأنه تبع لها من خلفها، ومنه قول أبي ذؤيب:
عاد السواد بياضاً في مفارقه *** لا مرحباً ببياض الشيب إذ ردفا
قال الجوهري: وأردفه لغة في ردفه مثل تبعه وأتبعه بمعنى. قال خزيمة بن مالك بن نهد:
إذا الجوزاء أردفت الثريا *** ظننت بآل فاطمة الظنونا
قال الفراء: ردف لكم دنا لكم، ولهذا قيل: لكم. وقرأ الأعرج: {ردف لكم} بفتح الدال، وهي لغة، والكسر أشهر. وقرأ ابن عباس {أزف لكم} وارتفاع {بَعْضُ الذي تَسْتَعْجِلُونَ} أي على أنه فاعل ردف، والمراد: بعض الذي تستعجلونه من العذاب أي عسى أن يكون قد قرب ودنا وأزف بعض ذلك، قيل: هو عذابهم بالقتل يوم بدر، وقيل: هو عذاب القبر. ثم ذكر سبحانه فضله في تأخير العذاب، فقال: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى الناس} في تأخير العقوبة، والأولى أن تحمل الآية على العموم، ويكون تأخير العقوبة من جملة أفضاله سبحانه وإنعامه {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ} فضله وإنعامه ولا يعرفون حق إحسانه.
ثم بين أنه مطلع على ما في صدورهم، فقال: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ} أي ما تخفيه. قرأ الجمهور: {تكن} بضم التاء من أكنّ. وقرأ ابن محيصن وابن السميفع وحميد بفتح التاء وضم الكاف، يقال: كننته بمعنى سترته وخفيت أثره {وَمَا يُعْلِنُونَ} وما يظهرون من أقوالهم وأفعالهم. {وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السماء والأرض إِلاَّ فِي كتاب مُّبِينٍ} قال المفسرون: ما من شيء غائب، وأمر يغيب عن الخلق في السماء والأرض إلاّ في كتاب مبين إلاّ هو مبين في اللوح المحفوظ، وغائبة هي من الصفات الغالبة والتاء للمبالغة. قال الحسن: الغائبة هنا هي: القيامة.
وقال مقاتل: علم ما تستعجلون من العذاب هو مبين عند الله وإن غاب عن الخلق.
وقال ابن شجرة: الغائبة هنا جميع ما أخفى الله عن خلقه، وغيبه عنهم مبين في أمّ الكتاب، فكيف يخفى عليه شيء من ذلك؟ ومن جملة ذلك ما يستعجلونه من العذاب فإنه موقت بوقت، ومؤجل بأجل علمه عند الله فكيف يستعجلونه قبل أجله المضروب له؟
{إِنَّ هذا القرءان يَقُصُّ على بَنِي إسراءيل أَكْثَرَ الذي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} وذلك لأن أهل الكتاب تفرّقوا فرقاً، وتحزّبوا أحزاباً يطعن بعضهم على بعض، ويتبرأ بعضهم من بعض، فنزل القرآن مبيناً لما اختلفوا فيه من الحق، فلو أخذوا به لوجدوا فيه ما يرفع اختلافهم ويدفع تفرّقهم. {وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤمِنِينَ} أي وإنّ القرآن لهدى ورحمة لمن آمن بالله، وتابع رسوله، وخصّ المؤمنين؛ لأنهم المنتفعون به، ومن جملتهم من آمن من بني إسرائيل. {إِن رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ} أي يقضي بين المختلفين من بني إسرائيل بما يحكم به من الحق، فيجازي المحق ويعاقب المبطل، وقيل: يقضي بينهم في الدنيا، فيظهر ما حرّفوه.
قرأ الجمهور: {بحكمه} بضم الحاء وسكون الكاف. وقرأ جناح بكسرها وفتح الكاف جمع حكمة {وَهُوَ العزيز العليم} العزيز: الذي لا يغالب، والعليم بما يحكم به، أو الكثير العلم.
ثم أمره سبحانه بالتوكل وقلة المبالاة، فقال: {فَتَوَكَّلْ عَلَى الله} والفاء لترتيب الأمر على ما تقدّم ذكره، والمعنى: فوّض إليه أمرك، واعتمد عليه فإنه ناصرك. ثم علل ذلك بعلتين: الأولى: قوله: {إِنَّكَ عَلَى الحق المبين} أي الظاهر، وقيل: المظهر. والعلة الثانية: قوله: {إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الموتى} لأنه إذا علم أن حالهم كحال الموتى في انتفاء الجدوى بالسماع، أو كحال الصمّ الذين لا يسمعون، ولا يفهمون، ولا يهتدون صار ذلك سبباً قوياً في عدم الاعتداد بهم، شبه الكفار بالموتى الذين لا حسّ لهم ولا عقل، وبالصمّ الذين لا يسمعون المواعظ، ولا يجيبون الدعاء إلى الله. ثم ذكر جملة لتكميل التشبيه وتأكيده، فقال: {إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ} أي إذا أعرضوا عن الحق إعراضاً تاماً، فإن الأصمّ لا يسمع الدعاء إذا كان مقبلاً فكيف إذا كان معرضاً عنه مولياً مدبراً. وظاهر نفي إسماع الموتى العموم، فلا يخصّ منه إلاّ ما ورد بدليل كما ثبت في الصحيح: أنه صلى الله عليه وسلم خاطب القتلى في قليب بدر، فقيل له: يا رسول الله إنما تكلم أجساداً لا أرواح لها، وكذلك ما ورد من أن الميت يسمع خفق نعال المشيعين له إذا انصرفوا. وقرأ ابن محيصن وحميد وابن كثير وابن أبي إسحاق: {لا يسمع} بالتحتية مفتوحة، وفتح الميم، وفاعله الصمّ. وقرأ الباقون: {تسمع} بضم الفوقية، وكسر الميم من أسمع. قال قتادة: الأصمّ إذا ولى مدبراً، ثم ناديته لم يسمع، كذلك الكافر لا يسمع ما يدعى إليه من الإيمان.
ثم ضرب العمى مثلاً لهم، فقال: {وَمَا أَنتَ بِهَادِي العمي عَن ضلالتهم} أي ما أنت بمرشد من أعماه الله عن الحق إرشاداً يوصله إلى المطلوب منه وهو الإيمان، وليس في وسعك ذلك، ومثله قوله: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: 56] قرأ الجمهور بإضافة هادي إلى العمي. وقرأ يحيى بن الحارث، وأبو حيان: {بهاد العمي} بتنوين هادٍ. وقرأ حمزة: {تهدي} فعلاً مضارعاً، وفي حرف عبد الله: {وما أن تهدي العمي}. {إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا} أي ما تسمع إلاّ من يؤمن لا من يكفر، والمراد بمن يؤمن بالآيات: من يصدّق القرآن، وجملة: {فَهُم مُّسْلِمُونَ} تعليل للإيمان، أي فهم منقادون مخلصون.
ثم هدّد العباد بذكر طرف من أشراط الساعة وأهوالها: فقال: {وَإِذَا وَقَعَ القول عَلَيْهِم}.
واختلف في معنى وقوع القول عليهم، فقال قتادة: وجب الغضب عليهم.
وقال مجاهد: حق القول عليهم بأنهم لا يؤمنون، وقيل: حق العذاب عليهم، وقيل: وجب السخط، والمعاني متقاربة. وقيل: المراد بالقول ما نطق به القرآن من مجيء الساعة وما فيها من فنون الأهوال التي كانوا يستعجلونها، وقيل: وقع القول بموت العلماء، وذهاب العلم. وقيل: إذا لم يأمروا بالمعروف، وينهوا عن المنكر. والحاصل أن المراد بوقع: وجب، والمراد بالقول: مضمونه، أو أطلق المصدر على المفعول أي القول، وجواب الشرط: {أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مّنَ الأرض تُكَلّمُهُمْ}.
واختلف في هذه الدابة على أقوال، فقيل: إنها فصيل ناقة صالح يخرج عند اقتراب القيامة ويكون من أشراط الساعة. وقيل: هي دابة ذات شعر، وقوائم طوال يقال لها: الجساسة. وقيل: هي دابة على خلقة بني آدم، وهي في السحاب، وقوائمها في الأرض. وقيل: رأسها رأس ثور، وعينها عين خنزير، وأذنها أذن فيل، وقرنها قرن إيَّل، وعنقها عنق نعامة، وصدرها صدر أسد، ولونها لون نمر، وخاصرتها خاصرة هرّ، وذنبها ذنب كبش، وقوائمها قوائم بعير، بين كل مفصل ومفصل اثنا عشر ذراعاً. وقيل: هي الثعبان المشرف على جدار الكعبة التي اقتلعها العقاب حين أرادت قريش بناء الكعبة، والمراد: أنها هي التي تخرج في آخر الزمان، وقيل: هي دابة ما لها ذنب ولها لحية، وقيل: هي إنسان ناطق متكلم يناظر أهل البدع ويراجع الكفار. وقيل غير ذلك مما لا فائدة في التطويل بذكره، وقد رجح القول الأوّل القرطبي في تفسيره.
واختلف من أيّ موضع تخرج؟ فقيل: من جبل الصفا بمكة، وقيل: تخرج من جبل أبي قبيس. وقيل: لها ثلاث خرجات: خرجة في بعض البوادي حتى يتقاتل عليها الناس، وتكثر الدماء ثم تكمن، وتخرج في القرى ثم تخرج من أعظم المساجد وأكرمها وأشرفها. وقيل: تخرج من بين الركن والمقام. وقيل: تخرج في تهامة. وقيل: من مسجد الكوفة من حيث فار التنور. وقيل من أرض الطائف. وقيل: من صخرة من شعب أجياد. وقيل: من صدع في الكعبة. واختلف في معنى قوله: {تكلمهم} فقيل: تكلمهم ببطلان الأديان سوى دين الإسلام. وقيل: تكلمهم بما يسوؤهم. وقيل: تكلمهم بقوله تعالى: {أَنَّ الناس كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ} أي بخروجها؛ لأن خروجها من الآيات. قرأ الجمهور: {تكلمهم} من التكليم، ويدلّ عليه قراءة أبيّ: {تنبئهم}، وقرأ ابن عباس وأبو زرعة وأبو رجاء والحسن: {تكلمهم} بفتح الفوقية، وسكون الكاف من الكلم، وهو الجرح. قال عكرمة: أي تسمهم وسماً، وقيل: تجرحهم. وقيل: إن قراءة الجمهور مأخوذة من الكلم بفتح الكاف، وسكون اللام، وهو الجرح، والتشديد للتكثير، قاله أبو حاتم. قرأ الجمهور: {إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون} بكسر إن على الاستئناف، وقرأ الكوفيون وابن أبي إسحاق بفتح {أن}. قال الأخفش: المعنى على قراءة الفتح: {بأن الناس}.
وكذا قرأ ابن مسعود: {بأن الناس} بالباء.
وقال أبو عبيد: موضعها نصب بوقوع الفعل عليها أي: تخبرهم أن الناس، وعلى هذه القراءة فالذي تكلم الناس به هو قوله: {أَنَّ الناس كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ} كما قدّمنا الإشارة إلى ذلك. وأما على قراءة الكسر فالجملة مستأنفة كما قدّمنا، ولا تكون من كلام الدابة.
وقد صرّح بذلك جماعة من المفسرين، وجزم به الكسائي والفراء.
وقال الأخفش: إن كسر {إن} هو على تقدير القول أي تقول لهم: {إِنَّ الناس} إلخ، فيرجع معنى القراءة الأولى على هذا إلى معنى القراءة الثانية، والمراد بالناس في الآية: هم الناس على العموم، فيدخل في ذلك كل مكلف، وقيل: المراد الكفار خاصة، وقيل: كفار مكة، والأوّل أولى.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {عسى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم} قال: اقترب لكم.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ} قال: يعلم ما عملوا بالليل والنهار.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً: {وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ} الآية يقول: ما من شيء في السماء والأرض سرًّا ولا علانية إلا يعلمه.
وأخرج ابن المبارك في الزهد، وعبد الرزاق والفريابي وابن أبي شيبة، ونعيم بن حماد وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه عن ابن عمر في قوله: {وَإِذَا وَقَعَ القول عَلَيْهِم} الآية قال: إذا لم يأمروا بمعروف، ولم ينهوا عن منكر.
وأخرجه ابن مردويه عنه مرفوعاً.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي العالية: أنه فسر {وَقَعَ القول عَلَيْهِم} بما أوحى إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلاّ من قد آمن.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {دَابَّةً مّنَ الأرض تُكَلّمُهُمْ} قال: تحدّثهم.
وأخرج ابن جرير عنه قال: كلامها: تنبئهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي داود نفيع الأعمى قال: سألت ابن عباس عن قوله: {تُكَلّمُهُمْ} يعني: هل هو من التكليم باللسان، أو من الكلم، وهو الجرح؟ فقال: كل ذلك، والله تفعل، تكلم المؤمن وتكلم الكافر أي تجرحه.
وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه عن ابن عمر في الآية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس ذلك حديثاً، ولا كلاماً، ولكنها سمة تسم من أمرها الله به، فيكون خروجها من الصفا ليلة منى، فيصبحون بين رأسها وذنبها لا يدحض داحض، ولا يجرح جارح، حتى إذا فرغت مما أمرها الله به فهلك من هلك، ونجا من نجا، كان أوّل خطوة تضعها بإنطاكية»
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال: الدابة ذات وبر وريش، مؤلفة فيها من كل لون، لها أربع قوائم تخرج بعقب من الحاج.
وأخرج أحمد وابن مردويه عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تخرج الدابة فتسم على خراطيمهم، ثم يعمرون فيكم حتى يشتري الرجل الدابة، فيقال له: ممن اشتريتها؟ فيقول: من الرجل المخطم».
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس: «إن للدابة ثلاث خرجات»؛ وذكر نحو ما قدّمنا.
وأخرج ابن مردويه عن حذيفة بن أسيد رفعه قال: «تخرج الدابة من أعظم المساجد حرمة».
وأخرج سعيد بن منصور ونعيم بن حماد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: تخرج من بعض أودية تهامة.
وأخرج الطيالسي وأحمد ونعيم بن حماد والترمذي وحسنه، وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تخرج دابة الأرض ومعها عصا موسى، وخاتم سليمان، فتجلو وجه المؤمن بالخاتم، وتخطم أنف الكافر بالعصا، حتى يجتمع الناس على الخوان يعرف المؤمن من الكافر»، وأخرج الطيالسي ونعيم بن حماد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه، والبيهقي في البعث عن حذيفة بن أسيد الغفاريّ قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدابة، فقال: «لها ثلاث خرجات من الدهر» وذكر نحو ما قدّمنا في حديث طويل. وفي صفتها ومكان خروجها وما تصنعه ومتى تخرج أحاديث كثيرة بعضها صحيح، وبعضها حسن، وبعضها ضعيف. وأما كونها تخرج، وكونها من علامات الساعة، فالأحاديث الواردة في ذلك صحيحة. ومنها ما هو ثابت في الصحيح كحديث حذيفة مرفوعاً: «لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات» وذكر منها الدابة فإنه في صحيح مسلم وفي السنن الأربعة، وكحديث: «بادروا بالأعمال قبل طلوع الشمس من مغربها، والدجال، والدابة» فإنه في صحيح مسلم أيضاً من حديث أبي هريرة مرفوعاً، وكحديث ابن عمر مرفوعاً: «إن أوّل الآيات خروجاً طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى» فإنه في صحيح مسلم أيضاً.


ثم ذكر سبحانه طرفاً مجملاً من أهوال يوم القيامة. فقال: {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلّ أُمَّةٍ فَوْجاً} العامل في الظرف فعل محذوف خوطب به النبيّ صلى الله عليه وسلم، والحشر الجمع. قيل: والمراد بهذا الحشر هو حشر العذاب بعد الحشر الكلي الشامل لجميع الخلق، و{من} لابتداء الغاية، والفوج: الجماعة كالزمرة، و{من} في {مّمَّن يُكَذّبُ بئاياتنا} بيانية {فَهُمْ يُوزَعُونَ} أي يحبس أوّلهم على آخرهم، وقد تقدّم تحقيقه في هذه السورة مستوفى، وقيل معناه: يدفعون، ومنه قول الشماخ:
وسمه وزعنا من خميس جحفل ***
ومعنى الآية: واذكر يا محمد يوم نجمع من كل أمة من الأمم جماعة مكذّبين بآياتنا فهم عند ذلك الحشر يرد أوّلهم على آخرهم، أو يدفعون أي اذكر لهم هذا، أو بينه تحذيراً لهم، وترهيباً. {حتى إِذَا جَاءُوا} إلى موقف الحساب قال الله لهم توبيخاً، وتقريعاً: {أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي} التي أنزلتها على رسلي، وأمرتهم بإبلاغها إليكم والحال أنكم {لَمْ تُحِيطُواْ بِهَا عِلْماً} بل كذبتم بها بادئ بدء جاهلين لها غير ناظرين فيها، ولا مستدلين على صحتها، أو بطلانها تمرّداً، وعناداً، وجرأة على الله وعلى رسله، وفي هذا مزيد تقريع وتوبيخ؛ لأن من كذب بشيء، ولم يحط به علماً فقد كذب في تكذيبه، ونادى على نفسه بالجهل وعدم الإنصاف، وسوء الفهم، وقصور الإدراك، ومن هذا القبيل من تصدّى لذمّ علم من العلوم الشرعية، أو لذمّ علم هو مقدّمة من مقدّماتها، ووسيلة يتوسل بها إليها، ويفيد زيادة بصيرة في معرفتها، وتعقل معانيها كعلوم اللغة العربية بأسرها، وهي اثنا عشر علماً، وعلم أصول الفقه فإنه يتوصل به إلى استنباط الأحكام الشرعية عن أدلتها التفصيلية مع اشتماله على بيان قواعد اللغة الكلية، وهكذا كل علم من العلوم التي لها مزيد نفع في فهم كتاب الله، وسنة رسوله، فإنه قد نادى على نفسه بأرفع صوت بأنه جاهل مجادل بالباطل طاعن على العلوم الشرعية، مستحق لأن تنزل به قارعة من قوارع العقوبة التي تزجره عن جهله وضلاله وطعنه على ما لا يعرفه، ولا يعلم به، ولا يحيط بكنهه حتى يصير عبرة لغيره، وموعظة يتعظ بها أمثاله من ضعاف العقول، وركاك الأديان، ورعاع المتلبسين بالعلم زوراً وكذباً.
و {أم} في قوله: {أمَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} هي المنقطعة، والمعنى: أم أيّ شيء كنتم تعملون حتى شغلكم ذلك عن النظر فيها، والتفكر في معانيها؟ وهذا الاستفهام على طريق التبكيت لهم. {وَوَقَعَ القول عَلَيْهِم} قد تقدّم تفسيره قريباً، والباء في {بِمَا ظَلَمُواْ} للسببية أي وجب القول عليهم بسبب الظلم الذي أعظم أنواعه الشرك بالله {فَهُمْ لاَ يَنطِقُونَ} عند وقوع القول عليهم، أي ليس لهم عذر ينطقون به، أو لا يقدرون على القول لما يرونه من الهول العظيم.
وقال أكثر المفسرين: يختم على أفواههم فلا ينطقون.
ثم بعد أن خوّفهم بأهوال القيامة ذكر سبحانه ما يصلح أن يكون دليلاً على التوحيد، وعلى الحشر، وعلى النبوّة مبالغة في الإرشاد وإبلاء للمعذرة، فقال: {أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا اليل لِيَسْكُنُواْ فِيهِ والنهار مُبْصِراً} أي جعلنا الليل للسكون والاستقرار والنوم، وذلك بسبب ما فيه من الظلمة فإنهم لا يسعون فيه للمعاش، والنهار مبصراً، ليبصروا فيه ما يسعون له من المعاش الذي لا بدّ له منهم، ووصف النهار بالإبصار، وهو وصف للناس مبالغة في إضاءته كأنه يبصر ما فيه. قيل: في الكلام حذف، والتقدير: وجعلنا الليل مظلماً ليسكنوا، وحذف مظلماً لدلالة مبصراً عليه، وقد تقدّم تحقيقه في الإسراء وفي يونس {إِنَّ فِى ذَلِكَ} المذكور {لآيَاتٍ} أي علامات ودلالات {لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} بالله سبحانه.
ثم ذكر سبحانه علامة أخرى للقيامة فقال: {وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصور} هو معطوف على {وَيَوْمَ نَحْشُرُ} منصوب بناصبه المتقدّم. قال الفراء: إن المعنى: وذلكم يوم ينفخ في الصور، والأوّل أولى. والصور: قرن ينفخ فيه إسرافيل، وقد تقدّم في الأنعام استيفاء الكلام عليه. والنفخات في الصور ثلاث: الأولى: نفخة الفزع، والثانية: نفخة الصعق، والثالثة: نفخة البعث. وقيل: إنها نفختان، وإن نفخة الفزع إما أن تكون راجعة إلى نفخة الصعق، أو إلى نفخة البعث، واختار هذا القشيري، والقرطبي، وغيرهما.
وقال الماوردي: هذه النفخة المذكورة هنا يوم النشور من القبور {فَفَزِعَ مَن فِى السموات وَمَن فِى الأرض} أي خافوا وانزعجوا لشدّة ما سمعوا، وقيل: المراد بالفزع هنا: الإسراع والإجابة إلى النداء من قولهم: فزعت إليك في كذا: إذا أسرعت إلى إجابتك، والأوّل أولى بمعنى الآية. وإنما عبر بالماضي مع كونه معطوفاً على مضارع: للدلالة على تحقق الوقوع حسبما ذكره علماء البيان.
وقال الفراء: هو محمول على المعنى؛ لأن المعنى إذا نفخ {إِلاَّ مَن شَاء الله} أي إلا من شاء الله أن لا يفزع عند تلك النفخة.
واختلف في تعيين من وقع الاستثناء له، فقيل: هم الشهداء والأنبياء. وقيل: الملائكة، وقيل: جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت وقيل: الحور العين. وقيل: هم المؤمنون كافة بدليل قوله فيما بعد: {مَن جَاء بالحسنة فَلَهُ خَيْرٌ مّنْهَا وَهُمْ مّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ ءَامِنُونَ} ويمكن أن يكون الاستثناء شاملاً لجميع المذكورين فلا مانع من ذلك {وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخرين} قرأ الجمهور: {آتوه} على صيغة اسم الفاعل مضافاً إلى الضمير الراجع إلى الله سبحانه. وقرأ الأعمش ويحيى بن وثاب وحمزة وحفص عن عاصم: {أتوه} فعلاً ماضياً، وكذا قرأ ابن مسعود.
وقرأ قتادة: {وكل أتاه}. قال الزجاج: إن من قرأ على الفعل الماضي فقد وحد على لفظ كل، ومن قرأ على اسم الفاعل فقد جمع على معناه، وهو غلط ظاهر، فإن كلا القراءتين لا توحيد فيها، بل التوحيد في قراءة قتادة فقط، ومعنى {داخرين}: صاغرين ذليلين، وهو منصوب على الحال، قرأ الجمهور: {داخرين}، وقرأ الأعرج: {دخرين} بغير ألف، وقد مضى تفسير هذا في سورة النحل.
{وَتَرَى الجبال تَحْسَبُهَا جَامِدَةً} معطوف على {ينفخ}. والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو لكلّ من يصلح للرؤية، و{تحسبها جامدة} في محل نصب على الحال من ضمير ترى أو من مفعوله؛ لأن الرؤية بصرية. وقيل: هي بدل من الجملة الأولى، وفيه ضعف، وهذه هي العلامة الثالثة لقيام الساعة، ومعنى {تحسبها جامدة} أي قائمة ساكنة، وجملة: {وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السحاب} في محل نصب على الحال، أي وهي تسير سيراً حثيثاً كسير السحاب التي تسيرها الرياح. قال القتيبي: وذلك أن الجبال تجمع وتسير وهي في رؤية العين كالقائمة وهي تسير. قال القشيري: وهذا يوم القيامة، ومثله قوله تعالى: {وَسُيّرَتِ الجبال فَكَانَتْ سَرَاباً} [النبأ: 20]. قرأ أهل الكوفة تحسبها بفتح السين، وقرأ الباقون بكسرها {صُنْعَ الله الذي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْء} انتصاب {صنع} على المصدرية عند الخليل وسيبويه وغيرهما، أي صنع الله ذلك صنعاً، وقيل: هو مصدر مؤكد لقوله: {وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصور}. وقيل: منصوب على الإغراء، أي انظروا صنع الله، ومعنى {الذي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْء}: الذي أحكمه، يقال: رجل تقن أي حاذق بالأشياء، وجملة: {إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} تعليل لما قبلها من كونه سبحانه صنع ما صنع، وأتقن كل شيء، والخبير: المطلع على الظواهر والضمائر. قرأ الجمهور بالتاء الفوقية على الخطاب، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وهشام بالتحتية على الخبر.
{مَن جَاء بالحسنة فَلَهُ خَيْرٌ مّنْهَا} الألف واللام للجنس، أي من جاء بجنس الحسنة فله من الجزاء والثواب عند الله خير منها أي أفضل منها، وأكثر. وقيل: خير حاصل من جهتها، والأول أولى. وقيل: المراد بالحسنة هنا: لا إله إلاّ الله. وقيل: هي الإخلاص. وقيل: أداء الفرائض، والتعميم أولى ولا وجه للتخصيص وإن قال به بعض السلف. قيل: وهذه الجملة بيان لقوله: {إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ}، وقيل: بيان لقوله: {وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخرين}. قرأ عاصم وحمزة والكسائي: {وهم من فزع} بالتنوين وفتح ميم {يومئذٍ}. وقرأ نافع بفتحها من غير تنوين، وقرأ الباقون بإضافة فزع إلى يومئذٍ. قال أبو عبيد: وهذا أعجب إليّ لأنه أعم التأويلين؛ لأن معناه: الأمن من فزع جميع ذلك اليوم، ومع التنوين يكون الأمن من فزع دون فزع.
وقيل: إنه مصدر يتناول الكثير فلا يتم الترجيح بما ذكر، فتكون القراءتان بمعنى واحد. وقيل: المراد بالفزع ها هنا هو: الفزع الأكبر المذكور في قوله: {لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر} [الأنبياء: 103]. ووجه قراءة نافع أنه نصب يوم على الظرفية لكون الإعراب فيه غير متمكن، ولما كانت إضافة الفزع إلى ظرف غير متمكن بني، وقد تقدّم في سورة هود كلام في هذا مستوفى {وَمَن جَاء بالسيئة فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النار}. قال جماعة من الصحابة، ومن بعدهم حتى قيل: إنه مجمع عليه بين أهل التأويل: إن المراد بالسيئة هنا: الشرك، ووجه التخصيص قوله: {فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النار}، فهذا الجزاء لا يكون إلاّ بمثل سيئة الشرك، ومعنى {فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النار}: أنهم كبوا فيها على وجوههم وألقوا فيها وطرحوا عليها، يقال: كببت الرجل: إذا ألقيته لوجهه فانكبّ وأكبّ، وجملة {هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} بتقدير القول، أي يقال ذلك، والقائل خزنة جهنم، أي: ما تجزون إلاّ جزاء عملكم.
{إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبّ هَذِهِ البلدة الذي حَرَّمَهَا} لما فرغ سبحانه من بيان أحوال المبدأ، والمعاد أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم هذه المقالة، أي قل يا محمد: إنما أمرت أن أخص الله بالعبادة وحده لا شريك له، والمراد بالبلدة: مكة، وإنما خصها من بين سائر البلاد لكون فيها بيت الله الحرام، ولكونها أحبّ البلاد إلى رسوله، والموصول صفة للربّ، وهكذا قرأ الجمهور. وقرأ ابن عباس وابن مسعود: {التي حرّمها} على أن الموصول صفة للبلدة، ومعنى {حَرَّمَهَا}: جعلها حرماً آمناً لا يسفك فيها دم، ولا يظلم فيها أحد، ولا يصطاد صيدها، ولا يختلى خلالها {وَلَهُ كُلُّ شَيء} من الأشياء خلقاً وملكاً وتصرّفاً، أي ولله كل شيء {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المسلمين} أي المنقادين لأمر الله المستسلمين له بالطاعة، وامتثال أمره، واجتناب نهيه. والمراد بقوله: {أَنْ أَكُونَ}: أن أثبت على ما أنا عليه {وَأَنْ أَتْلُوَ القرءان} أي أداوم تلاوته، وأواظب على ذلك. قيل: وليس المراد من تلاوة القرآن هنا إلاّ تلاوة الدعوة إلى الإيمان، والأول أولى {فَمَنُ اهتدى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ} لأن نفع ذلك راجع إليه، أي فمن اهتدى على العموم، أو فمن اهتدى بما أتلوه عليه، فعمل بما فيه من الإيمان بالله، والعمل بشرائعه. قرأ الجمهور: {وأن أتلو} بإثبات الواو بعد اللام على أنه من التلاوة، وهي القراءة، أو من التلوّ، وهو الاتباع. وقرأ عبد الله: {وأن اتل} بحذف الواو أمراً له صلى الله عليه وسلم وكذا وجهه الفراء. قال النحاس: ولا نعرف أحداً قرأ هذه القراءة، وهي مخالفة لجميع المصاحف {وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَاْ مِنَ المنذرين} أي ومن ضلّ بالكفر وأعرض عن الهداية، فقل له: إنما أنا من المنذرين، وقد فعلت بإبلاغ ذلك إليكم، وليس عليّ غير ذلك.
وقيل: الجواب محذوف، أي فوبال ضلاله عليه، وأقيم {إنما أنا من المنذرين} مقامه لكونه كالعلة له.
{وَقُلِ الحمد لِلَّهِ} على نعمه التي أنعم بها عليّ من النبوّة والعلم، وغير ذلك، وقوله: {سَيُرِيكُمْ ءاياته} هو من جملة ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أن يقوله، أي سيريكم الله آياته في أنفسكم، وفي غيركم {فَتَعْرِفُونَهَا} أي تعرفون آياته، ودلائل قدرته ووحدانيته، وهذه المعرفة لا تنفع الكفار؛ لأنهم عرفوها حين لا يقبل منهم الإيمان، وذلك عند حضور الموت. ثم ختم السورة بقوله: {وَمَا رَبُّكَ بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ}، وهو كلام من جهته سبحانه غير داخل تحت الكلام الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقوله، وفيه ترهيب شديد وتهديد عظيم. قرأ أهل المدينة والشام وحفص عن عاصم: {تعملون} بالفوقية على الخطاب، وقرأ الباقون بالتحتية.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {داخرين} قال: صاغرين.
وأخرج هؤلاء عنه في قوله: {وَتَرَى الجبال تَحْسَبُهَا جَامِدَةً} قال: قائمة {صُنْعَ الله الذي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْء} قال: أحكم.
وأخرج ابن أبي جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: {صُنْعَ الله الذي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْء} قال: أحسن كل شيء خلقه، وأوثقه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: {مَن جَاء بالحسنة فَلَهُ خَيْرٌ مّنْهَا} قال: «هي: لا إله إلاّ الله» {وَمَن جَاء بالسيئة فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النار} قال: «هي: الشرك»، وإذا صحّ هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فالمصير إليه في تفسير كلام الله سبحانه متعين، ويحمل على أن المراد قال: لا إله إلاّ الله بحقها، وما يجب لها، فيدخل تحت ذلك كل طاعة، ويشهد له ما أخرجه الحاكم في الكنى عن صفوان بن عسال قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يوم القيامة: جاء الإيمان والشرك يجثوان بين يدي الله سبحانه، فيقول الله للإيمان: انطلق أنت وأهلك إلى الجنة، ويقول للشرك: انطلق أنت وأهلك إلى النار»، ثم تلا رسولا الله صلى الله عليه وسلم: {مَن جَاء بالحسنة فَلَهُ خَيْرٌ مّنْهَا}، يعني: قول: لا إله إلاّ الله {وَمَن جَاء بالسيئة} يعني: الشرك {فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النار}.
وأخرج ابن مردويه من حديث أبي هريرة وأنس نحوه مرفوعاً.
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه والديلمي عن كعب بن عجرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: {مَن جَاء بالحسنة} يعني: «شهادة أن لا إله إلاّ الله» {فَلَهُ خَيْرٌ مّنْهَا} يعني بالخير: «الجنة» {وَمَن جَاء بالسيئة} يعني: «الشرك» {فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النار}، وقال: «هذه تنجي، وهذه تردي».
وأخرج عبد ابن حميد وابن أبي حاتم والحاكم وصححه، والبيهقي في الأسماء والصفات، والخرائطي في مكارم الأخلاق عن ابن مسعود: {مَن جَاء بالحسنة} قال: لا إله إلاّ الله، {وَمَن جَاء بالسيئة} قال: بالشرك.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس نحوه.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم: {فَلَهُ خَيْرٌ مّنْهَا} قال: له منها خير، يعني: من جهتها.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً: {فَلَهُ خَيْرٌ مّنْهَا} قال: ثواب.
وأخرج أيضاً عنه أيضاً قال: البلدة: مكة.

1 | 2 | 3